اخبار

السويداء على حافة التصحر، موسم زراعي صفري!!

شكّلت الزراعة لعقود شريان الحياة لنحو 70 في المئة من سكان محافظة السويداء، لكنها اليوم تواجه واقعاً صادماً. موسم زراعي صفري يهدد ليس فقط الاقتصاد المحلي، بل يطال أيضاً النسيج الاجتماعي والتوازن البيئي في المنطقة.

لم يعد الجفاف مجرد ظاهرة مناخية عابرة، بل تحوّل إلى أزمة بنيوية تتفاقم عاماً بعد آخر، وتجرّ معها أرقاماً مقلقة، وسط تحذيرات من تحول المنطقة إلى صحراء قاحلة خلال سنوات قليلة.

**الأرقام لا تكذب… الزراعة تنهار بصمت**

في لقاء مع مدير زراعة السويداء، المهندس مالك الحلبي، أشار إلى أن نحو 90 في المئة من الأراضي الزراعية تعتمد على الزراعة البعلية، ما يجعلها رهينة لهطول الأمطار، الذي لم يتجاوز هذا العام 30 في المئة من معدلاته المعتادة. هذا التراجع الحاد أدى إلى انهيار شبه كامل في منظومة الإنتاج الزراعي.

القمح، الذي يعدّ عماد الأمن الغذائي، تراجع من متوسط سنوي يبلغ 13 ألف طن إلى أقل من ألفي طن، رغم زراعة أكثر من 30 ألف هكتار. أما الحمص، المزروع على 25 ألف هكتار، فسجّل إنتاجاً صفرياً. والشعير، المزروع على 23 ألف هكتار، لم يكن أفضل حالاً، إذ يعاني من تراجع كبير في الإنتاجية.

وأوضح الحلبي أن إنتاج القمح كان قد بلغ 30 ألف طن في عام 2019، وانخفض إلى 29 ألف طن في 2020، ثم هبط إلى 23 ألف طن في 2024. أما الشعير، فانخفض من 18.5 ألف طن إلى 13 ألف طن في الفترة ذاتها.

**الأشجار المثمرة… تموت واقفة**

تغطي الأشجار المثمرة نحو 42 ألف هكتار من أراضي السويداء، وتعتمد بشكل كبير على الأمطار. ومع تزايد شح المياه، بدأت هذه الأشجار تموت ببطء، ما دفع العديد من المزارعين إلى اللجوء لتحطيبها.

تراجع إنتاج التفاح، الذي يمثل مصدر دخل رئيسياً لنحو 11 ألف أسرة، بنسبة 80 في المئة مقارنة بالسنوات السابقة. الكرمة، التي تضم أكثر من 4.7 مليون شجرة، والزيتون، بنحو 1.5 مليون شجرة، يواجهان خطر الزوال نتيجة انخفاض معدل الأمطار إلى ما دون 150 ملم سنوياً، أي أقل من نصف احتياجات هذه المحاصيل.

اللوزيات مثل الكرز والدراق، تعرّضت لموجات أمراض وآفات بعد امتناع المزارعين عن رشها بسبب غياب العوائد في المواسم السابقة.

**التصحر لم يعد تهديداً… بل واقعاً**

ما تشهده السويداء اليوم يتجاوز أزمة موسمية. المؤشرات البيئية، من جفاف الينابيع وتراجع الغطاء النباتي إلى نفوق الأشجار المعمّرة، تؤكد أننا دخلنا فعلياً في مرحلة التصحر. وحذّر الحلبي من أن استمرار هذه الظروف لعامين إضافيين فقط قد يحوّل المحافظة إلى أرض جرداء غير صالحة للزراعة.

**الري لم يعد مُنقذاً**

رغم أن الري يُنظر إليه تقليدياً كحل لمواجهة الجفاف، فإن الواقع الميداني يناقض هذه الفرضية. فالزراعة البعلية تشكل 98 في المئة من النشاط الزراعي في السويداء، والاعتماد على الري أصبح شبه مستحيل بسبب جفاف الآبار وارتفاع أسعار الوقود وقطع الغيار، وهي تكاليف يعجز عنها معظم الفلاحين في ظل الظروف الاقتصادية الخانقة. ونتيجة لذلك، خرجت نحو 75 في المئة من الأراضي الزراعية من الخدمة هذا الموسم.

**استجابات خجولة لا ترقى لحجم الكارثة**

رغم بعض المبادرات المحلية كحملات التشجير واستيراد غراس لتعويض الخسائر، فإن هذه الجهود تبقى محدودة، ولا توازي حجم الأزمة. فلا توجد خطة طوارئ وطنية شاملة، ولا دعم مالي أو تقني مستدام يمكن أن يساعد الفلاحين على التكيف مع الواقع الجديد.

**صرخة أخيرة قبل الانهيار**

في ختام حديثه، وجّه المهندس مالك الحلبي نداءً عاجلاً لتفعيل الضابطة العدلية ومنع التعديات على الأراضي والغابات، وإقرار تشريعات صارمة لحماية الموارد الطبيعية. كما دعا إلى بناء شراكات حقيقية مع المنظمات الدولية لإطلاق خطة إنقاذ وطنية، تركز على التكيف مع التغير المناخي واستعادة التوازن البيئي ووقف زحف التصحر.

إن أزمة الزراعة في السويداء ليست حالة استثنائية أو معزولة، بل جزء من سلسلة أزمات بيئية وإدارية تطال مناطق عدة في البلاد. تفاقم الجفاف، ضعف إدارة الموارد، وغياب التخطيط المستدام، كلها عوامل تهدد مستقبل الزراعة، وتدعو إلى تحرك علمي وجاد، لا إلى حلول مؤقتة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى