
الراصد-غيداء الصفدي
تعتمد شريحة واسعة من أبناء السويداء على تربية الثروة الحيوانية كمصدر أساسي للدخل، سواء عبر التربية المنزلية أو في المزارع المتخصصة.
ووفق آخر إحصائية رسمية لمديرية الزراعة قبل الأحداث، والصادرة في نيسان 2025، قُدّر عدد الثروة الحيوانية في السويداء بنحو 670 ألف رأس من الأغنام والماعز، إضافة إلى نحو 13 ألف رأس من الأبقار.
إلا أن هذا القطاع الحيوي تعرّض لضربة قاسية وفق ما صرح به المهندس مالك الحلبي، مدير مديرية الزراعة في السويداء للراصد، نتيجة الهجوم الذي شنته القوات الحكومية مدعومة بالعشائر، على المدينة منتصف شهر تموز الفائت، حيث تأثر بشكل مباشر بأعمال النهب والسرقة التي طالت قرى في الريفين الشمالي والغربي، وأسفرت عن سرقة كامل القطعان الموجودة فيها.
سرقة آلاف الرؤوس ونفوق أعداد كبيرة
يقول الطبيب البيطري حمزة سكيكر، رئيس دائرة الصحة والإنتاج الحيواني، في حديثه لـ #الراصد أنه وبحسب البيانات المبلّغ عنها، تعرضت جميع أنواع الثروة الحيوانية في تلك القرى للنهب، بما فيها الأغنام والماعز والأبقار والدواجن والدجاج المنزلي، حيث تجاوزت الأعداد المسروقة:
• 62 ألف رأس من الأغنام والماعز تعود ملكيتها إلى نحو 1300 مربي.
• 2500 رأس من الأبقار تعود إلى 840 مربي.
في المقابل، يُقدّر القطيع المتبقي حالياً في المناطق الآمنة بنحو 200 ألف رأس من الأغنام والماعز، و9 آلاف رأس من الأبقار فقط، وهو رقم يعكس الانخفاض الحاد في أعداد الثروة الحيوانية مقارنة بما قبل الأحداث.
الجفاف والأحداث الأمنية.. أزمة مركبة
وكان قطاع الثروة الحيوانية يعاني أصلاً خلال العام الماضي من ظروف صعبة نتيجة الجفاف، وانعدام المراعي الطبيعية، وندرة بقايا حصاد المحاصيل الحقلية كالقمح والشعير، إضافة إلى قلة المساحات المزروعة بالمحاصيل العلفية الرعوية. وجاءت أحداث منتصف تموز لتفاقم الوضع بشكل كبير، نتيجة ما تعرضت له القطعان من سرقة ونهب ونفوق.
كما تكبد القطاع أضراراً غير مباشرة بسبب الظروف الأمنية والحصار، والتي أدت إلى نقص حاد في المياه، وانقطاع المحروقات والتيار الكهربائي، وعدم توفر الأعلاف لأكثر من شهرين، وارتفاع أسعارها بشكل كبير عند توفرها. هذا الواقع أدى إلى نقص الكميات المقدمة لتغذية القطيع، وانعكس سلباً على حالته الصحية وقدرته الإنتاجية.
تراجع في الخصوبة
أمام هذه الظروف القاسية، لجأ معظم المربين إلى بيع جزء كبير من قطعانهم لتأمين استمرارية التربية والحفاظ على ما تبقى منها. وأدى سوء التغذية وعدم توفر الرعاية اللازمة إلى ظهور أعراض مرضية متعددة على القطعان، كان أبرزها انخفاض الخصوبة لدى الأبقار والأغنام.
ويضيف سكيكر أن عدم توفر السائل الآزوتي والقشّات اللازمة للتلقيح الصناعي ساهما في خسارة المربين موسماً تناسلياً كاملاً، وهو الموسم الذي يشكّل المولود الناتج عنه ربحاً صافياً يعتمد عليه المربي سنوياً. ولم تقتصر الخسائر عند هذا الحد، بل ترافق ذلك مع آثار جانبية تمثلت في انخفاض إنتاج الأبقار من الحليب وضعف الخصوبة، ما جعل العديد من المربين غير قادرين على تحمّل تكاليف تربية هذه الأبقار، واضطرارهم إلى بيعها بأسعار منخفضة كأبقار غير منتجة.
تراجع الخدمات البيطرية وتوقف الحملات الوقائية
تقول الطبيبة البيطرية ناديا عامر، نقيب الأطباء البيطريين في السويداء، في حديثها مع الراصد، إن الخدمات البيطرية شهدت تراجعاً ملحوظاً نتيجة الأحداث، حيث فسدت اللقاحات البيطرية المخزنة بسبب الانقطاع الطويل للتيار الكهربائي، إضافة إلى سرقة التجهيزات والبرادات من المراكز البيطرية. كما تعذر استجرار لقاحات بديلة وعدم توفر الأدوية الإسعافية اللازمة، ما أدى إلى توقف الحملات الوقائية الدورية ضمن البرنامج الزمني المعتمد في السويداء.
هجرة المربين وانخفاض إضافي في أعداد القطيع
المهندسة الزراعية ميس حسون، رئيسة دائرة الإحصاء والتخطيط في مديرية الزراعة، أوضحت للراصد، أن هذه الظروف ساهمت في انخفاض أعداد القطيع حتى في المناطق الآمنة، إضافة إلى رحيل نحو 2800 راعٍ للأغنام والماعز إلى خارج المحافظة، مصطحبين معهم قطعاناً تُقدّر بنحو 400 ألف رأس من الأغنام والماعز، إلى جانب مربّي أبقار يمتلكون نحو 1300 رأس من الأبقار.
وأدى نقص الأعلاف النوعية ومستلزمات الرعاية إلى ندرة منتجات الثروة الحيوانية من حليب ومشتقاته والبيض واللحوم، وارتفاع كبير في أسعارها، خاصة خلال الفترة الأولى من الأزمة، ولا تزال الأسعار مرتفعة نسبياً حتى اليوم بسبب قلة المحروقات وصعوبة تأمين مستلزمات التربية القادمة من خارج السويداء.
كما تضررت تربية الدجاج المنزلي والمداجن للأسباب ذاتها، حيث نفقت أعداد من الطيور في بعض المداجن، واضطر مربون إلى توزيع الأفواج المتبقية على الأهالي مجاناً أو بأسعار رمزية.
وزاد دخول اللحوم المجمدة والمستوردة من معاناة المربين، إذ أدى إلى انخفاض سعر المنتج المحلي إلى ما دون سعر التكلفة، ما ساهم في خروج عدد كبير من المربين من دائرة الإنتاج.
جهود مديرية الزراعة رغم التحديات
في هذا السياق، يؤكد المهندس مالك الحلبي على تواصل مديرية الزراعة في السويداء، للتنسيق مع الجهات المعنية والمنظمات الإنسانية الدولية لتأمين اللقاحات، وقشّات التلقيح الصناعي، والأعلاف، والأدوية، بهدف التخفيف من الأضرار الناتجة عن الأحداث والظروف المناخية.
غير أن المديرية تعرضت هي الأخرى لأعمال سرقة ونهب طالت مبانيها ومراكزها، بما فيها المخابر البيطرية والبرادات والأجهزة وترامس حفظ اللقاحات، إضافة إلى الآليات، وعدم توريد المحروقات وتجميد الحسابات المصرفية، ما أعاق تنفيذ حملات التلقيح الوقائي والتلقيح الصناعي المجاني، وصعّب المتابعة الميدانية للقطعان.
وتعمل مديرية الزراعة على تشجيع المزارعين والمربين على زراعة المحاصيل العلفية للتخفيف من صعوبة تأمين الأعلاف، ومتابعة التواصل مع الجهات المعنية لتأمين مستلزمات الثروة الحيوانية، إلى جانب الاستمرار في متابعة الحالة الصحية للقطعان لرصد أي حالات طارئة أو مرضية واحتوائها فوراً ضمن الإمكانيات المتاحة.
وفي الختام، دعت المديرية المربين إلى الاستمرار في التربية، مؤكدة أن المنظمات المعنية تعهدت بتأمين الاحتياجات الأساسية، وذلك بالتنسيق مع المديرية للحفاظ على هذا القطاع الحيوي.



