تقارير

الطاقة البديلة، هل تبرعات الأهالي تمنع الحكومة من تنفيذ المشاريع؟!

كشف مدير مؤسسة مياه دير الزور “لورانس حسين” عن قيام المؤسسة بتأهيل وتشغيل 3 محطات مياه بريف دير الزور خلال الشهر الفائت عبر منظومة الطاقة الشمسية، معلنا أن المرحلة القادمة ستتضمن تشغيل 17 محطة أخرى في ريف دير الزور.

بينما تكمن المفارقة بأن وزارة الموارد المائية تماطل بالرد على الطلبات المقدمة من مؤسسة مياه الشرب في محافظة السويداء لإصلاح الأعطال المتكررة في منظومة المياه بذريعة عدم وجود ميزانية أو دعم من وزارة المالية، ليبقى الحل مرهوناً “بنهب جيوب أبناء المحافظة ومغتربيها لتشغيل الخدمات التي تقوم الحكومة بجباية ثمنها، رغم تملصها من واجبها في تشغيلها”، فهل أصبحت السويداء خارج الخارطة السورية؟

سورية من أفضل 20 بلد في العالم من حيث القدرة على توليد الكهرباء عبر الطاقة الشمسية

كان لغياب الكهرباء شبه الكلي في كافة بقاع سورية وفي السويداء ضمناً، معززاً بغياب المحروقات اللازمة لتشغيل المولدات الكهربائية العاملة عليها انعكاسات سلبية على القطاع الصناعي والقطاعات الإنتاجية الأخرى، إضافة للقطاع المنزلي. أما التأثير الأكبر والأكثر خطورة كان من نصيب القطاعات الخدمية وبالدرجة الأولى المياه المشكلة التي تتصاعد بشكل متسارع مايهدد الاستقرار السكاني وخصوصاً في الأرياف النائية.

المعنيون بالشأن العام (من خارج الحكومة) بدأوا مع تفاقم أزمة الطاقة بالبحث عن بدائل لتوليد الكهرباء، معلنين أن الحل الأمثل يكمن في استخدام الطاقة النظيفة (الشمسية والكهروضوئية والريحية).

الدكتور “كرم شعار” مدير الأبحاث في مركز السياسات وبحوث العمليات، وعضو مركز بحوث الطاقة في واشنطن، أشار في حديث سابق له، إلى أن سورية من أفضل 20 بلد في العالم من حيث القدرة على توليد الكهرباء عبر الطاقة الشمسية، كونها تتمتع بأيام مشمسة كثيرة، ومناخ معتدل لا يؤثر على الأجهزة المستخدمة التي بدأت معداتها بغزو السوق السورية قبل سنوات قليلة.وحول فكرة الطاقة البديلة المستدامة أقامت “جمعية أصدقاء البيئة” في السويداء في أيلول 2022، ندوة حول إمكانية ومدى الاستفادة مما أسماه المحاضرون “منجم الطاقة الشمسية” الذي يقع في المنطقة بين السويداء ودمشق، تحدث خلالها كل من الدكتور المهندس “محمود أبودقة” الباحث في المركز القومي الكندي، والدكتور المهندس “فريد أبو حامد”، من جامعة دمشق، عن مدى جدوى الطاقة البديلة في السويداء، حيث يرى الخبيرين أن سورية تعد منجم من أهم مناجم الطاقة الشمسية والريحية رغم الإجحاف بحق السويداء في دراسة أطلس الريح.واستعرض الدكتور “أبو دقة” خريطة توضح توضع المناجم الشمسية في سورية، مشيراً إلى أن المنطقة الجنوبية (السويداء ودمشق ودرعا والقنيطرة) هي الأغنى؛ حيث تحوي مناجم شمسية كافية لتغذية عموم البلاد. وشدد على أن الدراسات والخرائط أكدت إن السويداء أفضل منطقة لاستثمار الطاقة الشمسية، نتيجة مناخها المشمس والملائم لهكذا استثمار، حيث أن المتر المربع من المنظومة الشمسية في السويداء ينتج في السنة ما يعادل 2190 كيلو واط ساعي.كما أوضح الدكتور “أبو دقة” أنه لتشغيل الشبكة الكهربائية المنزلية في سورية، يتطلب إنشاء محطة طاقة “شمسية” بمساحة 900 كيلو متر مربع (30كم ×30 كم) في المنطقة الواقعة بين دمشق والسويداء، وبما أن كل متر مربع من الطاقة الشمسية يعطي 2190 كيلو واط بالعام، فإن محطة بالمساحة المذكورة تنتج 1971 ميغا واط في العام، مؤكداً أنه لا يوجد أي مشكلة أو معوق بالنسبة للمساحة المطلوبة لنشر ألواح الطاقة الشمسية.

أما حول إمكانية استثمار الرياح لتوليد الكهرباء، فقد بين الدكتور “أبو حامد” أنه لم يتم وضع دراسات دقيقة لجدوى الرياح بتوليد الكهرباء في سورية، وأن هناك إجحاف حول دراسة إمكانية استخدام الريح لتوليد الكهرباء في السويداء، حيث لم تدخل السويداء في أطلس الرياح، رغم توفر البيئة الملائمة في الريف الشرقي للمحافظة (تعتبر المنطقة الممتدة بين قرية طربا وبلدة شقا ملائمة بشدة لتطبيق هكذا مشروع، خاصة وأن سرعة الرياح فيها كبيرة وتحديداً في الشتاء، بالإضافة لتوفر مساحات واسعة من الأراضي غير القابلة للزراعة في البادية الشرقية والتي يمكن استثمارها في هكذا مشاريع).وأوضح “أبو حامد” إن منطقة “الجولان المحتل” هي الأنسب للتشغيل عبر الرياح، وقد استفاد العدو الصهيوني من هذه الميزة، لكن العنفات الريحية تحتاج لمساحات واسعة من الأراضي الزراعية التي تعد مصدر الرزق الأساسي لأبناء الأرض المحتلة، ما سيكون على حساب بساتين أهل الجولان (وقد شهد آخر حزيران الماضي احتجاجات واسعة في الأراضي المحتلة بعد إعلان الكيان الصهيوني عزمه على البدء بمشروع التوربينات وأدى ذلك لمواجهات بين الأهالي وقوات الاحتلال ولازال التوتر قائما حتى اليوم)، وأضاف إن السوريين بنوا عنفة واحدة من الجانب المحرر، ولكنها معطلة حالياً.

هل يمكن استثمار الطاقات البديلة لضخ المياه من الآبار الجوفية؟

خلال مداخلة أدلى بها الدكتور المهندس الخبير “محمد قرضاب”، أكد إمكانية استثمار الطاقة الكهروضوئية لضخ المياه من الآبار الجوفية في محافظة السويداء، وخصوصاً أن معظم الآبار تقع على عمق وسطي ٤٠٠ متر، مايتيح ضخ حوالي 30 متر مكعب في الساعة، مبيناً أن مثل هذه المشاريع ستوفر على خزينة الدولة 125 مليون ليرة سنوياُ ما يعني أن الطاقة الكهرضوئية مشروع ربحي يمكن استرداد رأس المال فيه خلال 3 سنوات فقط. معتمدا في معلوماته على دراسة أجراها تفيد بأن البئر يحتاج وسطياً لمساحة دونم لإنشاء مزرعة الطاقة الخاصة به، وتتم دراسة كل بئر على حدة، ودعا “قرضاب” المستثمرين للعمل على ضخ الكهرباء إلى المضخة مباشرة، مقترحا على وزارة الكهرباء دفع ثمن الكهرباء، أو أن تلحظ مؤسسة المياه في ميزانياتها التحول إلى الطاقة الكهرضوئية.وأوضح أن البيت الواحد بحاجة إلى كيلو ونصف الكيلو واط، لأغراض تشغيل الإنارة والتلفاز والثلاجة، معربا عن أمله بالتسريع الحكومي لتنفيذ خططها بمشروع صندوق دعم الطاقة الشمسية، ومنح قروض الطاقة الشمسية السكنية والزراعية (الآبار وبرادات الفواكه والخضار)، لما لهذه الخطوة من دور مهم في تخفيف العبء عن الشبكة الكهربائية.

هل تؤثر التبرعات الأهلية لاستجرار “الخطوط المعفاة من التقنين” على مباشرة تنفيذ مشاريع الطاقة البديلة؟!

مارأي الحكومة، وماهي خطتها بهذا الخصوص؟

خلال مداخلته قدم معاون وزير الكهرباء “نضال قرموشة” عرضاً حول واقع الكهرباء، والتحديات التي تواجه هذا الملف، نتيجة النقص في الوقود، مؤكداً أن الحل الأمثل هو استخدام الطاقات المستدامة. مشيراً إلى أن الحكومة ستباشر منح “قروض الطاقة المتجددة” خلال فترة قريبة، ودون فوائد.فيما أشار محافظ السويداء “بسام بارسيك” إلى أن هنالك مساعي لإنشاء شركة مساهمة بالتعاون مع غرفة التجارة والصناعة، تعمل على إنتاج الطاقات المتجددة بنظام الأسهم، يستطيع المواطنون المساهمة بها بأسعار رخيصة للسهم، بهدف الوصول لتوسيع الإنتاج وتوفير حوامل داعمة للشبكة.

“لماذا لا تقوم الحكومة بإنشاء مزارع الطاقات البديلة عبر مؤسساتها بدلا من منح القروض؟ وإن كانت البيئة ملائمة لهكذا استثمار إذا لماذا يتم المماطلة بالحل؟”

يقول أحد المهندسين في مركز أبحاث الطاقة للراصد (طلب عدم ذكر اسمه): “إن عدم التوجه الحكومي بشكل جدي لاستثمار هذه الطاقة، عن طريق مؤسساتها، له علاقة بمنظومة الفساد لا أكثر، كون هكذا مشاريع توفيرية، قد تقلل فرص الاختلاس لبعض المتنفذين”، على حد تعبيره، معتبرا أن الحل الأجدى يكون بدعم المشاريع الخاصة، وإنشاء محطات توليد رافدة للشبكة الكهربائية، وربطها على الشبكة العامة وفق نظام الارتباط الشبكي”، موضحاً إن ذلك يتم بمبدأ مقايضة الطاقة، أي أن تقوم المنظومات الخاصة برفد الشبكة العامة أثناء أوقات الذروة، مقابل السحب من الشبكة العامة ليلاً وفي أيام الشتاء الغائمة، وذلك عبر عدادات لحساب الطاقة المنتجة بين المستهلك صاحب المنظومة وشركة الكهرباء، ماسيؤدي لترشيد الاستهلاك والنفقات، وفق تجارب دول عديدة كمصر التي أنشأت مزارع (خلال حكم السيسي) وانتقلت خلالها من الحاجة للكهرباء لتصبح مصدرة.وبيّن المهندس أن هذه الخطة ستوفر على الحكومة استهلاك الغاز والفيول بنسبة تقارب 50 %، وستخفف على المواطن عبء استهلاك البطاريات، وتخفض تكلفة منظومة الطاقة الشمسية 35%.

من هو المستفيد من القروض المواطن أم المستوردين؟ ومن هم هؤلاء المستوردين؟

ذكرت تقارير إعلامية سابقة أن رجل أعمال واحد يسيطر على سوق بدائل الطاقة في سورية، يدعى “حسان المهايني” وهو المستورد الوحيد لمعدات بدائل الطاقة بشكل رسمي، فيما تسيطر مجموعات مدعومة على سوق التهريب لمنظومات الطاقة، وهو ما يثير شكوكاُ حول ما إذا كان التقنين الجائر أصلاً وسيلة للتسويق لبدائل الطاقة؟.

ماذا عن تكاليف المنظومة الشمسية المنزلية؟ وجودة المطروح منها في السوق المحلية؟

بالنظر إلى تكاليف المنظومة الشمسية الكافية لتشغيل المنزل الواحد، في الورشات العاملة في هذا المجال، تبين أن تكلفة المنظومة لتشغيل المنزل الواحد تتراوح بين 5 ملايين و20 مليون ليرة سورية حسب الطاقة التشغيلية المطلوبة، ما يجعلها بعيدة المنال عن أصحاب الدخل المحدود والذين يشكلون النسبة العظمى من المواطنين، أما إذا تكلمنا عن المنشآت الزراعية الخاصة فقد تصل تكلفة المنظومة إلى أكثر من 45 مليون ليرة سورية كذلك مايجعل المزارعين من أصحاب المشاريع الزراعية الصغيرة والمتوسطة غير قادرين على شرائها.أما عن نوعية وجودة المعدات المطروحة في السوق المحلية، وبحسب استطلاع رأي خبراء وفنيي كهرباء أجراه الراصد شمل 30 عينة معظمهم أكاديمين، أشاروا جميعاُ إلى أن جودة بدائل الطاقة المطروحة في السوق المحلية ضعيفة وإذا أرادوا تقييمها فهي لاتتعدى أن تكون نخب ثالث، مايجعل فرص تعطلها خلال مدة زمنية أقصاها سنة والحاجة لصيانتها وتبديل مدخراتها بشكل وسطي كل 6 أشهر إلى السنة أمر شبه حتمي، موضحين أنها تأتي ضمن مواصفات مصنعة لظروف بيئية مختلفة عن بيئتنا من جهة عوامل الطقس وخاصة العوامل الشتوية.

السويداء بعد عامين على محاولات التوسع توجه محدود للاستثمار الخاص في الطاقات البديلة، ما السبب؟!

خلال العامين الماضيين شهد القطاع الخاص انبثاق نحو 25 محطة خاصة لاتتجاوز الاستطاعة الإجمالية لجميعها 2500 كيلو واط، والتي تغذي عدداً من مشاريع الآبار ومنازل المواطنين في مناطق مختلفة من المحافظة، والتي تم ربط بعض منها مع الشبكة الكهربائية بموجب القوانين الناظمة لذلك، بهدف بيع كامل الكهرباء المنتجة منها إلى الشركة العامة لكهرباء محافظة السويداء، وبذلك ينخفض معدل استفادة هذه المنازل والمشاريع التي أقيمت لخدمتها منها، وبالمقابل لاتشكل فرقاُ واضحاُ في رفد الشبكة الكهربائية الحكومية.

وعود حكومية بترخيص محطتي طاقة بديلة باستطاعة 60 ميغا واط في كل من قريتي حوط وأم الزيتون منذ عامين.

لاتزال محطة العجماء في قرية حوط في محافظة السويداء تحتل الصدارة كأكبر استطاعة توليد حيث لاتتجاوز استطاعتها 900 كيلو واط والتي لا تخدم سوى آبار حوط و 4 آبار بقرى أخرى محيطة بها، فيما صرحت شركة الكهرباء مرارا عن السعي لترخيص محطة خاصة أخرى في القرية باستطاعة 10 ميغا واط (مايعادل نصف الاستطاعة المخصصة لمحافظة السويداء حاليا)، وصرحت في وقت سابق من العام الماضي عن تخصيص 560 دونم في المنطقة الصناعية بقرية أم الزيتون بهدف إقامة محطة للطاقة الشمسية باستطاعة 50 ميغا واط، وأنه تم التعاقد للبدء بانتاح 10 ميغا منها وإعطاء أمر المباشرة للمستثمر للبدء بتنفيذها ما سيؤمن تغذية كهربائية للعديد من القطاعات وآبار المياه في أم الزيتون والقرى المحيطة بها، إلا أن أيا من هذين المشروعين لم يبصر النور بعد، فما هي أسباب المماطلة في الوقت الذي وجد فيه مستثمرون يغنون الحكومة عن تنفيذ هذه المشاريع من الخزينة العامة؟

هل تؤثر التبرعات الأهلية لاستجرار “الخطوط المعفاة من التقنين” على مباشرة تنفيذ مشاريع الطاقة البديلة؟!

يأس المواطنون من جدية الحكومة في تأمين الحلول اللأزمة المائية التي تعاني منها جميع قرى وبلدات ومدن المحافظة، دفع قرى كثيرة للاعتماد على مواطنيها في جمع التبرعات لتشغيل آبارها من خلال شراء أبراج وخطوط معفاة من التقنين على حسابهم الخاص آخذين على عاتقهم مهمة من المفترض أن تقوم مؤسسات الدولة بها على اعتبار أنها من يجبي ثمن الخدمات، ولا توجد إحصائية رسمية لمجموع المبالغ التي تبرع بها المواطنون لهذا الغرض أو لغرض تشغيل مقاسم قراهم، ولكن يمكن الجزم بأن مئات ملايين الليرات تم جمعها من المواطنين لهذه الغاية، مايعتبره العديد من المواطنين عملية ابتزاز تنتهجها الحكومة لمنحهم حقوقهم المشروعة في المياه، كما يرجح هؤلاء أن ذلك كان من أبرز أسباب التباطؤ في تنفيذ مشاريع الطاقة البديلة التي قد تقف حائلاً يمنع الفاسدين من مختلف المستويات الوظيفية من الاختلاسات التي أنهكت الخزينة وأثقلت كاهل المواطنين.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى