ملفات
أخر الأخبار

نساء منفيات خارج الوصية!!

“هذه الغرفة، هي كل ما حصلت عليه من تركة أبي الذي كان يمتلك أكثر من 200 دونم أرض زراعية، وبيت عربي كبير، فقد أوصى والدي بكل مايملك لأخوتي الذكور، وكان ذلك بحضور شيخ القرية ورجلين آخرين، لأخرج ووالدتي من تركة أبي صفر اليدين. ولم يكن حظي من زوجي وأولاده أفضل من حظي من أبي وأخوتي، الزوج الذي مات وأنا بعمر 53 سنة، بعد أن قمت بخدمته آخر سنوات عمره، لم يترك لي سوى خزانة وبعض الملابس، وبعد أن توفي أعادني أبناءه إلى غرفتي الصغيرة في منزل والدي لأصبح وحيدة ليس لدي مايعيلني في آخر العمر سوى النزر اليسير الذي يعطوني إياه أخوتي لأقتات به كنوع مما يطلق عليه المجتمع واجب الأخوة لشقيقتهم (المقطوعة) ليس أكثر” تقول السيدة هيام (رفضت نشر اسمها الحقيقي لأسبابها الخاصة) 63 عام.

قصة هيام هي مثال لعدد كبير من القصص لنساء حرمن من حقهن في تركة أبائهن من طائفة الموحدين في محافظة السويداء نتيجة تحوير تشريع قانوني لما يخدم أعرافاً عشائرية تستضعف المرأة وتهضم حقوقها، متجاهلة النصوص الدينية التوحيدية التي تدعو للإنصاف الكامل بين الرجل والمرأة في كافة الحقوق والواجبات.

كل ذلك يعزوه الناشطون بحقوق المرأة إلى القوانين الناظمة للميراث في القانون السوري، وخاصة لأحكام الميراث لدى طائفة الموحدين وفق القانون السوري والتي تتفق مع أحكام الميراث لدى باقي الطوائف الإسلامية، والتي ينظمها قانون الأحوال الشخصية 59 الصادر عام 1953. مع إضافة المادة 307 التي تتفرد بها طائفة الموحدين وتعطي الحق الكامل للطائفة في تنظيم بعض مسائل الأحوال الشخصية الخاصة بها، ومن ضمنها حكم الوصية الحائز على أفضلية التطبيق بين أحكام الميراث، حيث تقر المادة 307 بحق الموصي في توزيع ماله كما يريد، حيث يمكنه أن يوصي بميراثه لمن يشاء وأن يحرم من يشاء.

أين الخلل؟! هل هو في حكم الوصية أو بفهم العامة له؟ وما هي النظرة القانونية والدينية له؟

“استغل العامة حكم الوصية التي تنص عليه المادة 307 من قانون الأحوال الشخصية للمشرع السوري، كأداة لحرمان النساء من حقهن في الإرث إن كان من أبائهن أو من أزواجهن، لعدة أسباب وغايات أبرزها النهج الذكوري الذي يطغى على المجتمع في السويداء كغيره من المجتمعات العربية الأخرى ليصبح عرفاً راسخاً لدى الشريحة الأوسع من المجتمع وليزدنوالمغبونات في حقهن” تقول الناشطة الحقوقية “مديحة الحسن” في حديثها مع الراصد.

وتردف: “فيما يساهمن النسوة في مجتمعنا بما يلحقهن من غبن أحياناً من خلال تنازلهن عن حقهن بالميراث لحسابات قد تنجم عن عاطفة منهن يحاولن من خلالها كسب ود أخوتهن الذكور أو أبناءهن مرسخات بذلك الغبن دون أن يشعرن بمدى خطورة الأمر اجتماعياً ومايسهمن به من دعم الطغيان الذكوري، بينما يقمن أحياناً بالتنازل عن حقهن بالميراث نتيجة ضغوط شتى، او خوفاً من الوصم المجتمعي”.

وترى “الحسن” أن هذا التنازل يكون بداية لتنازل المرأة عن جميع حقوقها، حيث يصبح التنازل واجباً وفرضاً في عرف الذكر من أصولها، ليس في حقها بالميراث فحسب بل في جميع حقوقها الشرعية والدنيوية.

“إن الخلل ليس في حكم الوصية، لا من الناحية الدينية ولا من الناحية القانونية وإنما بمستوى الوعي لدى المورث”

فيما يتفق الأستاذ المحامي “عادل الهادي” وفضيلة الشيخ “سمير أبوطافش”، على أن الفرضية التي تعتبر حكم الوصية المنصوص عليه في المادة 307 من قانون الأحوال الشخصية إجحافاً لحقوق المرأة، قائمة على فهم خاطئ لهذا الحكم، الذي يصفانه بالنص المتقدم قانونياً على باقي أحكام الميراث المصمنة بالقانون 59 والتي تعتمد أحكام الشريعة الإسلامية. حيث يأتي هذا الحكم في إطار ضوابط إنسانية وأخلاقية ينص عليها مذهب التوحيد الذي يوجب إنصاف المرأة، في حال تم تطبيقه، والذي يقول بضرورة إنصاف المرأة بحقها في مال مورثها، ومساواتها بالرجل على صعيد الحقوق كافة.

و يتفق الأستاذان المحاميان “حسن عيسى” و “عادل الهادي” على أن الخلل ليس في حكم الوصية، لا من الناحية الدينية ولا من الناحية القانونية وإنما بمستوى الوعي لدى المورث، حيث يوضح الأستاذ “حسن عيسى” أن مايميز حكم الوصية الذي يختص بطائفة الموحدين عن باقي مواد القانون 59 الناظمة لأحكام الميراث والتي تعتمد التشريع الإسلامي، هو أنه يجيز للمورث توريث ابنته أكثر من الثلث المنصوص عليه في أحكام الميراث في الشريعة الإسلامية، وتوريث الزوجة أكثر من الثمن.

ويشير الأستاذ المحامي “حسن عيسى”، إلى أن الإجحاف الذي قد ينجم عن الفهم القاصر لحق الوصية لدى المورث، ليس حكراً على النساء إنما قد يصيب الذكور في كثير من الأحيان نتيجة رغبة المورث في تخصيص الورثة لأحد أبناءه أو أكثر وحرمان أحدهم أو أكثر من تركته لاعتبارات خاصة لديه.

الأستاذ المحامي “عادل الهادي”، أكد للراصد، أن الإعتقاد بأن المرأة لدى الموحدين الدروز محرومة من حقها بالميراث، اعتقاداً غير صحيح نهائياً، بل العكس تماماً فإن مبدأ الوصية لدى الموحدين أطلق الحرية للموصي بأن يمنح ابنته مايشاء من تركته،حتى كامل تركته إن رغب بذلك، ويعزو “الهادي” أي إجحاف يحصل بحق النساء في مجتمعنا إلى حالة الفقر في المجتمع وخصوصاً في السويداء، ما يدفع المرأة نفسها في غالبية الأحيان للتنازل عن حقها في تركة والدها أو زوجها، لأخوتها الذكور أو لأولادها، مشيراً إلى أنه في حال أصرت المرأة أن تنال حقها وفق القانون فإنها قادرة على ذلك بلا ريب وغالباً ماتستطيع الحصول على تركة من مال مورثها.

“تحرم المرأة في السويداء من الميراث، تحت ذرائع كثيرة، كالخوف من أن يذهب الميراث للأغراب من مبدأ اعتبار المرأة ضعيفة غير قادرة على حماية ملكيتها”

المرأة تساوي الرجل في نص مذهب التوحيد!!

فضيلة الشيخ ” سمير أبو طافش” قال للراصد: ” قبل الحديث عن موضوع الوصية لدى طائفة الموحدين الدروز، لابد من الإشارة إلى أن مذهب التوحيد رفع من شأن المرأة وأعطاها حقوقاً موازية لحقوق الرجل، فمثلاً بالنسبة للزوجة والزوج يجب أن يعمل بشرط الإمام الذي نص عليها المذهب وجعل المرأة نداً للرجل في الحقوق، وهذه للأسف ما لا يطبق مجتمعياً بل يتم التعتيم على حقيقة إنصاف دين التوحيد للأنثى. والحديث عن قيمة المرأة في نص مذهب توحيدي حقيقة يجهلها الكثيرون، حيث يذهب شرط الإمام إلى القول بأن المرأة إن خرجت من بيت زوجها دون وجه حق، أي مظلومة، تخرج بما تملك كاملاً بالإضافة لنصف مايملكه الرجل. والعكس أيضا صحيح، فإن خرجت من بيت زوجها ظالمة وكان زوجها عادلاً فله نصف ماتملك هي”.

وحول حق المرأة بالميراث وفق مذهب التوحيد يشير فضيلة الشيخ، إلى أن طائفة الموحدين وفيما يخص حق المرأة في الميراث فإن هنالك تياران، تيار يعمل وفق ماينص عليه التشريع الإسلامي المستمد من القرآن الكريم، على اعتبار طائفة الموحدين مذهب إسلامي والسنة النبوية، ففي حال الإبنة يعطي الذكر مثل حظ الأنثيين، وفي حال الزوجة ترث ربع تركة زوجها في حال لم يكن لديه ورثة من الأصول والفروع، وثمن التركة في حال وجود ورثة آخرين.

أما التيار الثاني وهو التيار الشائع، والذي ينهج نهج الابتعاد عن الشرع والحقيقة حيث يحرم المرأة من الميراث، تحت ذرائع كثيرة، كالخوف من أن يذهب الميراث للأغراب من مبدأ اعتبار المرأة ضعيفة غير قادرة على حماية ملكيتها، مكتفين بإعطائها حق الانتفاع بجزء بسيط من التركة أو ببيت المقاطيع، وهذا مخالف لمذهب التوحيد الذي يعتبر المرأة ذات كيان لايقل عن كيان الرجل، حيث يعمل هذا التيار بالوصية التي يعمل بها في التشريع الخاص بالموحدين في قانون الأحوال الشخصية السوري الذي منح المورث حرية كاملة في توزيع ثروته بقصد الإنصاف، ولكن المورث في مجتمعا غالباً مايتجاهل المقصد ولا يعمل بالعدل، لأنه غالبا مايغلب على المورث الهوى او العقلية القبلية التي تنقض العدل في توزيع التركة، الأمر الذي يجب أن يتم تداركه من قبل الهيئة الدينية أو المشرع القانوني لسد الثغرات بما يضمن حصول المرأة على حقوقها، لنستطيع تحقيق شيء مما يفرضه مذهب التوحيد لإنصاف المرأة.

الإلتفاف على القانون بالقانون!!

حرمت السيدة “ميساء” والتي (فضلت إخفاء كنيتها لسبب اجتماعي) مع أختها من ميراث أبيهما، برغبة منه، والذي استطاع التملص من توريث ابنتيه عندما قرر عبور جسر قانوني يمكنه من توريث ابنه الوحيد كامل تركته، وحرمان ابنتيه بالكامل، حيث نظم عقد بيع قانوني بينه وبين ولده مع إبقاء حق الانتفاع مدى الحياة له، وبذلك قطع الطريق على ابنتيه في الحصول على اي شيء حتى بعد وفاته.

أسلوب التملص بالبيع القطعي والهبة يعد من أكثر الأساليب استعمالاً إذا رغب المورث في التهرب من توريث بناته ليس على مستوى مجتمع طائفة الموحدين بل حتى على مستوى المجتمعات الأخرى في الطوائف الإسلامية الباقية، حيث يقوم المورث بوهب ثروته أو بيعها بشكل صوري لواحد أو أكثر من ورثتها لصمان الالتفاف على تشريعات الميراث، مستغلاً القوانين المتعلقة بالملكية، والتي تمنح صاحب الملكية سلطة استعمالها واستغلالها والتصرف فيها كما يشاء وفق الضوابط القانونية – وفقاً للأستاذ “عادل الهادي”.

التحديد شرط الوضوح!!

من خلال كل ماتقدم من أحاديث وأراء تطرق لها الأستاذان المحاميان “حسن عيسى” و”عادل الهادي” وفضيلة الشيخ “سمير أبو طافش” والناشطة “مديحة الحسن”، نرى أن الجميع أجمعوا على أن التشريع الديني و القانوني براء من الخلل، إنما يكمن في الفهم الخاطئ لحكم الوصية أحياناً وفي الالتفاف عليه عن سبق إصرار في أحيانٍ كثيرة.

ومن خلال استبيان أجراه الراصد استهدف خلاله  عينات تتمثل بطلاب وطالبات وخريجين جدد في كلية الحقوق، كان رأي الجميع بأن النص القانوني لايمكنه أني ينصف  تماماً إذا كان مرناً حد المرونة المنصوص عليه في حكم الوصية الذي يعالج قضية شائكة كقضية الميراث، لذلك يرى 30 بالمئة من العينات التي تم سبر آرائهم/ن أن العودة لأحكام الشريعة الإسلامية ينصف المرأة ولو جزئياً، فيما يرى 60 بالمئة آخرون أن حكم الوصية أنجع ولكن مع إصدار قانون يلزم بتوريث المرأة ويحدد حد أدنى لتوريثها يفوق ما منحته الشريعة الإسلامية على مبدأ “التحديد شرط الوضوح”، فيما يرى العشرة بالمئة المتبقين أن المعادلة ستبقى ناقصة مالم يتم صياغة قانون أحوال شخصية مدني كامل.

تقييم المستخدمون: كن أول المصوتون !

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى